فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج ابن الأنباري في كتاب الوقف والابتداء عن حسان بن أبحر قال: كنت عند ابن عباس، فجاءه رجل من هذيل فقال له ابن عباس: ما فعل فلان؟ قال: مات، وترك أربعة من الولد وثلاثة من الوراء. فقال ابن عباس: {فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب} قال: ولد الولد.
وأخرج ابن الأنباري عن الشعبي رضي الله عنه في قوله: {ومن وراء إسحاق يعقوب} قال: ولد الولد.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ضمرة بن حبيب. أن سارة لما بشرها الرسل بإسحق قال: بينا هي تمشي وتحدثهم حين أتت بالحيضة، فحاضت قبل أن تحمل بإسحق، فكان من قولها للرسل حين بشروها: قد كنت شابة وكان إبراهيم شابًا فلم أحبل فحين كبرت وكبر أألد؟ قالوا: أتعجبين من ذلك يا سارة، فإن الله قد صنع بكم ما هو أعظم من ذلك، إن الله قد جعل رحمته وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد.
وأخرج ابن الأنباري وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخًا} قال: وهي يومئذ ابنة سبعين، وهو يومئذ ابن تسعين سنة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك رضي الله عنه في قوله: {بعلي} قال: زوجي.
وأخرج أبو الشيخ عن ضرار بن مرة عن شيخ من أهل المسجد قال: بشر إبراهيم بعد سبع عشرة ومائة سنة.
وأخرج أبو الشيخ عن زيد بن علي رضي الله عنه قال: قالت سارة رضي الله عنها لما بشرتها الملائكة عليهم السلام: {يا ويلتاه أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخًا إن هذا لشيء عجيب} فقالت الملائكة ترد على سارة: {أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد} قال: فهو كقوله: {وجعلها كلمة باقية في عقبه} [الزخرف: 28] بمحمد صلى الله عليه وسلم وآله من عقب إبراهيم.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم والبيهقي في شعب الإِيمان عن عطاء بن أبي رباح رضي الله عنه في قوله: {رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد} قال: كنت عند ابن عباس إذ جاءه رجل فسلم عليه، فقلت: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ومغفرته. فقال ابن عباس: انته إلى ما انتهيت إليه الملائكة، ثم تلا: {رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت}.
وأخرج البيهقي عن ابن عباس أن سائلًا قام على الباب وهو عند ميمونة رضي الله عنها فقال: السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته وصلواته ومغفرته، فقال ابن عباس: انتهوا بالتحية إلى ما قال الله: {ورحمة الله وبركاته}.
وأخرج أبو الشيخ والبيهقي في الشعب عن عطاء قال: كنت عند ابن عباس رضي الله عنهما، فجاء سائل فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته وصلواته. فقال ابن عباس: ما هذا السلام، وغضب حتى احمرت وجنتاه، إن الله حد للسلام حدًا ثم انتهى ونهى عما وراء ذلك، ثم قرأ: {رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد}.
وأخرج البيهقي عن ابن عمر رضي الله عنهما. أن رجلًا قال له: سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته. فانتهره ابن عمر وقال: حسبك إذا انتهيت إلى وبركاته إلى ما قال الله. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

.قال السمين:

{وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69)}
قوله تعالى: {قَالُواْ سَلاَمًا}: في نصبه وجهان، أحدهما: أنه مفعول به، ثم هو محتملٌ لأمرين، أحدهما: أن يراد قالوا هذا اللفظ بعينه، وجاز ذلك لأنه يتضمَّن معنى الكلام. والثاني: أنه أراد قالوا معنى هذا اللفظ، وقد تقدم ذلك في نحو قولِه تعالى: {وَقُولُواْ حِطَّةٌ} [البقرة: 58]. وثاني الوجهين: أن يكون منصوبًا على المصدر بفعل محذوف، وذلك الفعل في محل نصب بالقول، تقديرُه: قالوا: سَلَّمْنا سلامًا، وهو من باب ما ناب فيه المصدرُ عن العامل فيه، وهو واجبُ الإِضمار.
قوله: {قَالَ سَلاَمٌ} في رفعه وجهان، أحدهما: أنه مبتدأٌ وخبرُه محذوفٌ، أي: سلامٌ عليكم. والثاني: أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: أمري أو قولي سلام. وقد تقدَّم أولَ هذا الموضعِ أن الرفعَ أدلُّ على الثبوت من النصب، والجملة بأسرها وإن كان أحدُ جُزْأيها محذوفًا في محل نصب بالقول كقوله:
إذا ذُقْتُ فاها قلت طعمُ مُدامةٍ ** ........................

وقرأ الأخوان: {قال سِلْم} هنا وفي سورة الذاريات بكسر السين وسكون اللام. ويلزم بالضرورة سقوطُ الألف فقيل: هما لغتان كحِرْم وحَرام وحِلٌّ وحَلال، وأنشد:
مَرَرْنا فقُلنا إيه سِلْمٌ فسَلَّمَتْ ** كما اكْتَلَّ بالبرق الغمامُ اللوائحُ

يريد: سلام، بدليل: فسلَّمت. وقيل: السِلْم بالكسر ضد الحرب، وناسَب ذلك لأنه نَكِرَهم فقال: أنا مسالمكم غيرُ محارِب لكم. قوله: {فَمَا لَبِثَ} يجوزُ في {ما} هذه ثلاثة أوجه، أظهرها: أنها نافيةٌ، وفي فاعل {لَبث} حينئذ وجهان، أحدهما: أنه ضميرٌ إبراهيم عليه السلام، أي: فما لبث إبراهيم، وإن جاء على إسقاطِ الخافض، فقدَّروه بالباء وب {عن} وب {في}، أي: فما تأخر في أَنْ، أو بأن، أو عن أن. والثاني: أن الفاعل قوله: {أن جاء}، والتقدير: فلما لبث، أي: ما أبطأ ولا تأخَّر مجيئُه بعجل سمين.
وثاني الأوجه: أنها مصدريةٌ، وثالثها: أنها بمعنى الذي. وهي في الوجهين الأخيرين مبتدأ، وإن جاء خبرُه على حَذْف مضاف تقديره: فلُبْثُه أو الذي لَبِثه قَدْرَ مجيئه.
والحَنيذ: المَشْويُّ بالرصْف في أخدود. حَنَذْتُ الشاةَ أَحْنِذُها حَنْزًا فهي حَنيذ، أي محنوذة. وقيل: حنيذ بمعنى يَقْطُرُ دَسَمُه من قولهم: حَنَذْتُ الفرس، أي: سُقْتُه شوطًا أو شوطين وتضع عليه الجُلَّ في الشمس ليَعْرَق.
{فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ (70)}
قوله تعالى: {نَكِرَهُمْ}: أي: أنكرهم، فهما بمعنى وأنشدوا:
وأَنْكَرَتْني وما كان الذي نَكِرَتْ ** من الحوادثِ إلا الشَّيْبَ والصَّلعا

وفرَّق بعضهم بينهما فقال: الثلاثي فيما يرى بالبصر، والرباعي فما لا يُرى من المعاني، وجعل البيتَ من ذلك، فإنها أَنْكَرَتْ مودَته وهي من المعاني التي لا ترى، ونَكِرَتْ شيبتَه وصَلَعه، وهما يُبْصَران، ومنه قولُ أبي ذؤيب:
فَنَكِرْنَه فَنَفَرْنَ وامْتَرَسَتْ به ** هَوْجاءُ هادِيَةٌ وهادٍ جُرْشُعُ

والإِيجاس: حديث النفس، وأصلُه من الدخول كأن الخوف داخله.
وقال الأخفش: خامَرَ قلبه. وقال الفراء: استشعر وأحسَّ. والوجيس: ما يَعْتري النفس أوائل الفزع، ووَجَسَ في نفسه كذا أي: خَطَر بها، يَجِسُ وَجْسًا ووُجوسًا ووَجيسًا، ويَوْجَس ويَجِس بمعنى يسمع، وأنشدوا:
وصادقتا سَمْعِ التوجُّسِ للسُّرى ** لِلَمْحِ خَفِيٍّ أو لصوتٍ مُنَدَّد

فخيفةً مفعول به أي: أحسَّ خيفة أو أضمر خيفة.
{وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (71)}
قوله تعالى: {وامرأته قَائِمَةٌ}: في محلِّ نصب على الحال من مرفوع {أُرْسِلْنا}. وقال أبو البقاء: من ضمير الفاعل في {أرسلنا} وهي عبارةٌ غيرُ مشهورة، إذ مفعولُ ما لم يُسَمَّ فاعلُه لا يُطْلَقُ عليه فاعلٌ على المشهور، وعلى الجملة فَجَعْلُها حالًا غيرُ واضح بل هي استئنافُ إخبار، ويجوز جَعْلُها حالًا من فاعل {قالوا} أي: قالوا ذلك في حال قيام امرأته.
قوله: {فَضَحِكَتْ} العامَّة على كسر الحاء، وقرأ محمد بن زياد الأعرابي رجل من مكة بفتحها، وهي لغتان، يقال: ضَحِك وضَحَكَ. وقال المهدوي: الفتح غير معروف. والجمهور على أن الضحك على بابه. واختلف أهلُ التفسير في سببه، وقيل: بمعنى حاضَتْ، ضحكت الأرنب: أي: حاضَتْ، وأنكره أبو عبيدة وأبو عبيد والفراء. وأنشد غيرهم على ذلك:
وضِحْكُ الأرانبِ فوق الصَّفا ** كمثلِ دمِ الجَوْفِ يوم اللِّقا

وقال آخر:
وعهدي بسلمى ضاحكًا في لَبانةٍ ** ولم يَعْدُ حُقًّا ثَدْيُها أن يُحَمَّلا

أي: حائضًا. وضحِكت الكافورة: تَشَقَّقت. وضحكت الشجرة: سال صمغُها. وضَحِك الحوضُ: امتلأ وفاض. وظاهرُ كلام أبي البقاء أن ضَحَك بالفتح مختص بالحيض فإنه قال: بمعنى حاضت، يقال: ضحَكت الأرنب بفتح الحاء.
قوله: {يَعْقُوبَ} قرأ ابن عامر وحمزة وحفص عن عاصم بفتح الباء، والباقون برفعها. فأمَّا القراءةُ الأولى فاختلفوا فيها: هل الفتحةُ علامةُ نصب أو جر؟ والقائلون بأنها علامة نصب اختلفوا: فقيل: هو منصوبٌ عطفًا على قوله: {بإسحاق} قال الزمخشري: كأنه قيل: ووهَبْنا له إسحاق، ومن وراء إسحاق يعقوب على طريقة قوله:
............ ليسوا مصلحين عشيرةً ** ولا ناعِبٍ......................

يعني أنه عطف على التوهم فنصب، كما عطف الشَّاعرُ على توهُّم وجود الباء في خبر ليس فجرَّ، ولكنه لا ينقاس. وقيل: هو منصوبٌ بفعلٍ مقدر تقديرُه: ووهبْنا يعقوب، وهو على هذا غيرُ داخلٍ في البشارة. ورجَّح الفارسيُّ هذا الوجه. وقيل: هو منصوبٌ عطفًا على محل {بإسحاق} لأن موضعَه نصب كقوله: {وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة: 6] بالنصب عطفًا على {برؤوسكم}. والفرق بين هذا والوجه الأول: أن الأولَ ضمَّن الفعل معنى: {وَهَبْنا} توهُّمًا، وهنا باقٍ على مدلوله من غير توهُّم.
ومن قال بأنه مجرورٌ جعله عطفًا على {بإسحاق} والمعنى: أنها بُشِّرت بهما. وفي هذا الوجه والذي قبله بحثُ: وهو الفصلُ بالظرف بين حرف العطف والمعطوف، وقد تقدَّم ذلك مستوفى في النساء فعليك بالالتفات إليه.
ونسب مكي الخفضَ للكسائي ثم قال: وهو ضعيف إلا بإعادة الخافض، لأنك فَصَلْت بين الجار والمجرور بالظرف. قوله: بإعادة الخافض ليس ذلك لازمًا، إذ لو قُدِّم ولم يُفْصَل لم يُلْتزم الإِتيان به.
وأمَّا قراءةُ الرفع ففيها أوجه، أحدها: أنه مبتدأ وخبره الظرف السابق فقدَّره الزمخشري مولود أو موجود وقدّره غيره بكائن. ولمَّا حكى النحاس هذا قال: والجملة حالٌ داخلة في البشارة أي: فَبَشَّرْناها بإسحاق متصلًا به يعقوبُ. والثاني: أنه مرفوع على الفاعلية بالجارِّ قبله، وهذا يجيء على رَأْي الأخفش. والثالث: أن يرتفع بإضمار فعل أي: ويحدث من وراء إسحاق يعقوب، ولا مَدْخَلَ له في البشارة. والرابع: أنه مرفوعٌ على القطع يَعْنُون الاستئناف، وهو راجع لأحد ما تقدَّم مِنْ كونه مبتدأ وخبرًا، أو فاعلًا بالجارِّ بعده، أو بفعل مقدر.
{قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72)}
قوله تعالى: {ياويلتى}: الظاهرُ كون الألف بدلًا من ياء المتكلم ولذلك أمالها أبو عمرو وعاصم في روايةٍ، وبها قرأ الحسن {يا ويلتي} بصريح الياء. وقيل: هي ألف الندبة، ويوقف عليها بهاء السكت.
قوله: {وَأَنَاْ عَجُوزٌ وهذا بَعْلِي شَيْخًا} الجملتان في محل نصب على الحال من فاعل {أَلِدُ} أي: كيف تقع الولادة في هاتين الحالتين المنافيتين لها؟
والجمهورُ على نصب {شيخًا} وفيه وجهان، المشهور: أنه حال والعامل فيه: إمَّا التنبيهُ وإمَّا الإِشارة، وإمَّا كلاهما. والثاني: أنه منصوبٌ على خبر التقريب عند الكوفيين، وهذه الحالُ لازمةٌ عند مَنْ لا يجهل الخبرَ، أمَّا مَنْ جهله فهي غير لازمة. وقرأ ابن مسعود والأعمش وكذلك في مصحف ابن مسعود {شيخٌ} بالرفع، وذكروا فيه أوجهًا: خبرٌ بعد خبر، أو خبران في معنى خبر واحد نحو: هذا حلو حامض، أو خبر {هذا} و{بعلي} بيان أو بدل، أو {شيخ} بدل من {بعلي}، أو {بعلي} مبتدأ و{شيخ} خبره، والجملة خبرُ الأول، أو {شيخ} خبرُ مبتدأ مضمر أي هو شيخ.
والشيخ يقابله عجوز، ويقال شَيْخة قليلًا، كقوله:
وتَضْحك مني شَيْخةٌ عَبْشَمِيَّةٌ

وله جموعٌ كثيرة، فالصريح منها: أَشْياخ وشُيوخ وشِيخان، وشِيْخَة عند مَنْ يرى أن فِعْلَة جمعٌ لا اسم جمع كغِلْمة وفِتْيَة. ومن أسماءِ جَمْعه مَشِيخَة وشِيَخَة ومَشْيُوخاء.
{قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (73)}
قوله تعالى: {أَهْلَ البيت}: في نصبه وجهان، أحدهما: أنه منادى. والثاني: أنه منصوبٌ على المدح. وقيل: على الاختصاص، وبين النصبين فرق: وهو أن المنصوب على المدح لفظ يتضمن بوضعه المدح كما أن المذمومَ لفظٌ يتضمن بوضعه الذمَّ.
والمنصوبُ على الاختصاص لا يكون إلا لمدحٍ أو ذم، لكن لفظَه لا يتضمَّن بوَضْعِه ولا الذمَّ كقوله:
بنا تميمًا يُكْشَفُ الضبابُ

كذا قاله الشيخ، واستند إلى أن سيبويه جعلهما في بابين، وفيه نظر.
والمجيد: فَعيل، مثالُ مبالغة مِنْ مَجَد يَمْجُد مَجْدًا ومَجادة، ويقال: مَجْد كشَرُف وأصلُه الرِّفْعَة. وقيل: من مَجَدَتِ الإِبلُ تَمْجُد مَجادة ومَجْدًا أي: شَبِعت، وأنشدوا لأبي حية النميري:
تزيدُ على صواحبِها وليسَتْ ** بماجدةِ الطعام ولا الشراب

أي: ليسَتْ بكثيرةِ الطعامِ ولا الشراب. وقيل: مَجَد الشيءُ: أي حَسُنَتْ أوصافُه. وقال الليث: أمجد فلانٌ عطاءَه ومَجَّده أي: كثَّره. اهـ.

.قال مجد الدين الفيروزابادي:

بصيرة في نكر:
النَّكِرَةُ: ضِدُّ المَعْرفة: وقد نَكِرْتُ الرّجلَ بالكسر نُكْرًا ونُكُوَرا، وأَنْكَرْتُه واستَنْكَرْتُه، كلُّه بمعنًى.
قال الأَعشى:
وأَنْكَرَتْنِى وما كان الَّذِى نَكِرَتْ ** من الحَوادث إِلاَّ الشَّيْبَ والصَّلَعا

وقد نَكَّرَه فتنكَّر، أي غَيَّره فتَغَيَّر إِلى مَجْهول.
والمنْكَر واحد المَناكِير.
وأَصل الإِنكار أَن يَرِد على القَلْبِ ما لا يتَصَوّرُه وذلك ضربٌ من الجهِل قال تعالى: {فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ}، وقال تعالى: {فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ}.
وقد يستعمل ذلك فيما يُنْكَر باللسان، وسبب الإِنكار باللسان الإِنكار بالقلب، لكن ربّما ينكر اللسان الشئ وصورتُه في القَلْب حاضرة، ويكون [فى] ذلك كاذبًا.
وعلى هذا قولُه تعالى: {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا}.
والمُنْكَرُ: كلّ فِعْل تحكُم العقولُ الصّحيحة بقُبحه أَو تتوقَّف في استقباحِه العقولُ فتحكم الشَّريعةُ بقُبْحه، وإلى هذا القَصْدُ في قوله تعالى: {الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ}.
وتنكير الشئ من حيث المعنى جعله بحيث لا يُعرف، قال تعالى: {نَكِّرُواْ لَهَا عَرْشَهَا}.
والنَّكير: الإِنْكار، قال تعالى: {فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} أي إِنكارِى والنُكْر: المُنْكَرُ، قال تعالى: {لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا}، وقد يُحرّك مثل عُسْرٍ وعُسُر قال:
وكانوا أَتَوْنى بشئ نُكُر

وقال تعالى: {يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُّكُرٍ}.
والإِنْكارُ: تغيير المنكر.
ورجل نَكِرٌ ونَكُرٌ، أي داهٍ مُنْكَر.
ونَكُر الأَمْرُ ككَرُمَ: اشْتَدَّ وصَعُبَ. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ}
أخبر أن الملائكة أتوا إبراهيمَ عليه السلام بالبشارة. وأخبر أن إبراهيمَ عليه السلام أنْكَرَهُم، ولم يَعْرِفْ أنهم ملائكةٌ. فيُحتمل أنَّه- سبحانه- أراد أن تكونَ تلك البشارة فجأةً من غير تنبيهٍ لتكونَ أتَمَّ وأبلغَ في إيجاد السرور، ولاسيما وقد كانت بعد خوف لأنه قال: {فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً}.
ويقال إن إبراهيم عليه السلام كان صاحبَ النبوة والخُلَّة والرسالة فلابد أن تكون فراستُه أعلى من فراسة كلِّ أحدٍ، ولكنه في هذه الحالة لم يَعْرِفْ الملائكةَ ليُعْلَمَ أنَّ الحقَّ- سبحانه وتعالى- إذا أراد إمضاءِ حُكْمِ يَسُدُّ على مَنْ أرادَ عيونَ الفراسة، وإنْ كان صاحبُ الفراسة هو خليل الله، كما سَدَّ الفراسة، على نبيِّنا صلى الله عليه وسلم في قصة الإفْكِ إلى الوقت الذي نزل فيه الوحيُ، وكذلك التبس على لوطٍ عليه السلام إلى أن تبيَّن له الأمر.
وتكلموا في هذه البشرى ما كانت؛ فقيل كانت البشارة بإسحاق؟ أنَّه سيولد له ولد ومن نَسْله وسُلالته؛ قال تعالى: {وَمِن وَرَاءِ إسْحَاقَ يَعْقُوبَ}.
ويقال بسلامة قومه- حيث كانوا مُرْسَلين بإهلاك قوم لوط- عليه السلام. ويقال بشارة بالخُلَّة وتمام الوصلة.
ويقال إن الخُلَّة والمحبة بناؤهما كتمان السِّرِّ؛ فَيَعْلَمَ أنهم أُرْسِلُوا بشارةٍ ما ولم يكن للغير اطلاع، قال قائلهم:
بين المحبين قولٌ لست أفهمه

ويقال إن تلك البشارة هي قولهم: {سلامًا} وأن ذلك كان من الله، وأيُّ بشارة أتمُّ من سلام الحبيب؟ وأيُّ صباح يكون مُفْتَتًا بسلام الحبيب فصَبَاحٌ مباركٌ، وكذلك المبيتُ بسلام الحبيب فهو مباركٌ.
قوله: {فَمَا لَبِثَ أَن جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} [هود: 69]: لمَّا توهمهم أضيافًا بحقَّ الضيافة، فقدَّم خَيْرَ ما عنده مما شكره الحقُّ عليه حيث قال في موضع آخر: {فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ} [الذاريات: 26]. والمحبةُ توجِبُ استكثارَ القليلِ من الحبيبِ واستقلالَ ما مِنْك للحبيب، وفي هذا إشارة إلى أنه إذا نَزَلَ الضيفُ فالواجبُ المبادرةُ إلى تقديم السُّفرة مِمَّا حضر في الوقت.
قوله: {فَلَمَّا رَءَا أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إٍلَيْهِ نَكِرَهُمْ} [هود: 70] تمامُ إحسانِ الضيف أن تتناولَ يَدُه ما يُقَدَّم إليه من الطعام، والامتناعُ عن أكل ما يُقَدَّم إليه معدودٌ في جملة الجفاء في مذهب أهل الظَّرْف. والأكل في الدعوة واجبٌ على أحد الوجهين.
{وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً}: أي خاف أنه وقع له خَلَلٌ في حاله حيث امتنع الضِّيفانُ عن أكل طعامه؛ فأوجس الخيفةَ لهم لا منهم.
وقيل إن الملائكة في ذلك الوقت ما كانوا ينزلون جهرًا إلا لعقوبة؛ فلمَّا امتنعوا عن الأكل، وعَلِمَ أنهم ملائكةٌ خَافَ أنْ يكونوا قد أُرْسِلُوا لعقوبة قومه.
{وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (71)}
كانت امرأتُه قائمةً بخدمة الأضياف، فضحكت تعَجّبًا من أن يكون لمثلها في هذه السن ولد.
وقيل كان سرورها السلامة. ويحتمل أنه ضحكت تعجبًا من امتناع الضيِّفان عن الأكل. أو تَعَجبَتْ من كوْن الملائكة في صورة البشر لَمَّا عَلِمَتْ أنهم ملائكة ويحتمل أنها ضحكت لاستبشارها بالوَلَد وقد بُشِّرَتْ باستحقاقه ومن ورائه يعقوب، ثم أفصَحَتْ عما ينطوي عليه قلبُها من التعجب فقالت: {ءَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَذا بَعْلِى شَيْخًا إنَّ هَذَا لَشَيءٌ عَجِيبٌ}!
فأحال الملائكة خَلْقَ الوَلَدِ على التقدير: {قَالُوا أَتَعْجِبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ}؟ فزال موضِعُ التعجب، وقالوا: {رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ} فبقي الدعاء في شريعتنا بآخر الآية حيث يقول الداعي: كما صَلَّيْتَ وباركتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
والبركة الزيادة؛ فقد اتصل النَّسْلُ من الخليل، وبنو إسرائيل منهم- وهم خَلْقٌ كثير، والعرب من أولاد إسماعيل- وهم الجَمُّ الغفير. اهـ.